بحار الأنوار (ط - بیروت)، ج3، ص: 152
باب 5 الخبر المروی عن المفضل بن عمر فی التوحید المشتهر بالإهلیلجة
1- حَدَّثَنِی مُحْرِزُ بْنُ سَعِیدٍ النَّحْوِیُّ بِدِمَشْقَ قَالَ حَدَّثَنِی مُحَمَّدُ بْنُ أَبِی مُسْهِرٍ «1» بِالرَّمْلَةِ عَنْ أَبِیهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: کَتَبَ الْمُفَضَّلُ بْنُ عُمَرَ الْجُعْفِیُّ إِلَى أَبِی عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ ع یُعْلِمُهُ أَنَّ أَقْوَاماً ظَهَرُوا مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْمِلَّةِ یَجْحَدُونَ الرُّبُوبِیَّةَ وَ یُجَادِلُونَ عَلَى ذَلِکَ وَ یَسْأَلُهُ أَنْ یَرُدَّ عَلَیْهِمْ قَوْلَهُمْ وَ یَحْتَجَّ عَلَیْهِمْ فِیمَا ادَّعَوْا بِحَسَبِ مَا احْتَجَّ بِهِ عَلَى غَیْرِهِمْ فَکَتَبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ أَمَّا بَعْدُ وَفَّقَنَا اللَّهُ وَ إِیَّاکَ لِطَاعَتِهِ وَ أَوْجَبَ لَنَا بِذَلِکَ رِضْوَانَهُ بِرَحْمَتِهِ وَصَلَ کِتَابُکَ تَذْکُرُ فِیهِ مَا ظَهَرَ فِی مِلَّتِنَا وَ ذَلِکَ مِنْ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْإِلْحَادِ بِالرُّبُوبِیَّةِ قَدْ کَثُرَتْ عِدَّتُهُمْ وَ اشْتَدَّتْ خُصُومَتُهُمْ وَ تَسْأَلُ أَنْ أَصْنَعَ لِلرَّدِّ عَلَیْهِمْ وَ النَّقْضِ لِمَا فِی أَیْدِیهِمْ کِتَاباً عَلَى نَحْوِ مَا رَدَدْتُ عَلَى غَیْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَ الِاخْتِلَافِ وَ نَحْنُ نَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى النِّعَمِ السَّابِغَةِ وَ الْحُجَجِ الْبَالِغَةِ وَ الْبَلَاءِ الْمَحْمُودِ عِنْدَ الْخَاصَّةِ وَ الْعَامَّةِ فَکَانَ مِنْ نِعَمِهِ الْعِظَامِ وَ آلَائِهِ الْجِسَامِ الَّتِی أَنْعَمَ بِهَا تَقْرِیرُهُ قُلُوبَهُمْ بِرُبُوبِیَّتِهِ وَ أَخْذُهُ مِیثَاقَهُمْ بِمَعْرِفَتِهِ وَ إِنْزَالُهُ عَلَیْهِمْ کِتَاباً فِیهِ شِفَاءٌ لِمَا فِی الصُّدُورِ مِنْ أَمْرَاضِ الْخَوَاطِرِ وَ مُشْتَبِهَاتِ الْأُمُورِ وَ لَمْ یَدَعْ لَهُمْ وَ لَا لِشَیْءٍ مِنْ خَلْقِهِ حَاجَةً إِلَى مَنْ سِوَاهُ وَ اسْتَغْنَى عَنْهُمْ وَ کانَ اللَّهُ غَنِیًّا حَمِیداً وَ لَعَمْرِی مَا أُتِیَ الْجُهَّالُ مِنْ قِبَلِ رَبِّهِمْ وَ إِنَّهُمْ لَیَرَوْنَ الدَّلَالاتِ الْوَاضِحَاتِ وَ الْعَلَامَاتِ الْبَیِّنَاتِ فِی خَلْقِهِمْ وَ مَا یُعَایِنُونَ فِی مَلَکُوتِ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ وَ الصُّنْعَ الْعَجِیبَ الْمُتْقَنَ الدَّالَّ عَلَى الصَّانِعِ وَ لَکِنَّهُمْ قَوْمٌ فَتَحُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَبْوَابَ الْمَعَاصِی وَ سَهَّلُوا لَهَا سَبِیلَ الشَّهَوَاتِ فَغَلَبَتِ الْأَهْوَاءُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَ اسْتَحْوَذَ الشَّیْطَانُ بِظُلْمِهِمْ عَلَیْهِمْ وَ کَذَلِکَ یَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِینَ وَ الْعَجَبُ مِنْ مَخْلُوقٍ یَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ یَخْفَى عَلَى عِبَادِهِ وَ هُوَ یَرَى أَثَرَ الصُّنْعِ فِی نَفْسِهِ بِتَرْکِیبٍ یَبْهَرُ عَقْلَهُ وَ تَأْلِیفٍ یُبْطِلُ حُجَّتَهُ «2»
(2) و فی نسخة: و تالیف یبطل جحوده.
بحار الأنوار (ط - بیروت)، ج3، ص: 153
وَ لَعَمْرِی لَوْ تَفَکَّرُوا فِی هَذِهِ الْأُمُورِ الْعِظَامِ لَعَایَنُوا مِنْ أَمْرِ التَّرْکِیبِ الْبَیِّنِ وَ لُطْفِ التَّدْبِیرِ الظَّاهِرِ وَ وُجُودِ الْأَشْیَاءِ مَخْلُوقَةً بَعْدَ أَنْ لَمْ تَکُنْ ثُمَّ تَحَوُّلِهَا مِنْ طَبِیعَةٍ إِلَى طَبِیعَةٍ وَ صَنِیعَةٍ بَعْدَ صَنِیعَةٍ مَا یَدُلُّهُمْ ذَلِکَ عَلَى الصَّانِعِ فَإِنَّهُ لَا یَخْلُو شَیْءٌ مِنْهَا مِنْ أَنْ یَکُونَ فِیهِ أَثَرُ تَدْبِیرٍ وَ تَرْکِیبٍ یَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ خَالِقاً مُدَبِّراً وَ تَأْلِیفٌ بِتَدْبِیرٍ یَهْدِی إِلَى وَاحِدٍ حَکِیمٍ وَ قَدْ وَافَانِی کِتَابُکَ وَ رَسَمْتُ لَکَ کِتَاباً کُنْتُ نَازَعْتُ فِیهِ بَعْضَ أَهْلِ الْأَدْیَانِ مِنْ أَهْلِ الْإِنْکَارِ وَ ذَلِکَ أَنَّهُ کَانَ یَحْضُرُنِی طَبِیبٌ مِنْ بِلَادِ الْهِنْدِ وَ کَانَ لَا یَزَالُ یُنَازِعُنِی فِی رَأْیِهِ وَ یُجَادِلُنِی عَلَى ضَلَالَتِهِ فَبَیْنَا هُوَ یَوْماً یَدُقُّ إِهْلِیلَجَةً لِیَخْلِطَهَا دَوَاءً احْتَجْتُ «1» إِلَیْهِ مِنْ أَدْوِیَتِهِ إِذْ عَرَضَ لَهُ شَیْءٌ مِنْ کَلَامِهِ الَّذِی لَمْ یَزَلْ یُنَازِعُنِی فِیهِ مِنِ ادِّعَائِهِ أَنَّ الدُّنْیَا لَمْ تَزَلْ وَ لَا تَزَالُ شَجَرَةٌ تَنْبُتُ وَ أُخْرَى تَسْقُطُ نَفْسٌ تُولَدُ وَ أُخْرَى تَتْلَفُ وَ زَعَمَ أَنَّ انْتِحَالِی الْمَعْرِفَةَ لِلَّهِ تَعَالَى دَعْوَى لَا بَیِّنَةَ لِی عَلَیْهَا وَ لَا حُجَّةَ لِی فِیهَا وَ أَنَّ ذَلِکَ أَمْرٌ أَخَذَهُ الْآخِرُ عَنِ الْأَوَّلِ وَ الْأَصْغَرُ عَنِ الْأَکْبَرِ وَ أَنَّ الْأَشْیَاءَ الْمُخْتَلِفَةَ وَ الْمُؤْتَلِفَةَ وَ الْبَاطِنَةَ وَ الظَّاهِرَةَ إِنَّمَا تُعْرَفُ بِالْحَوَاسِّ الْخَمْسِ نَظَرِ الْعَیْنِ وَ سَمْعِ الْأُذُنِ وَ شَمِّ الْأَنْفِ وَ ذَوْقِ الْفَمِ وَ لَمْسِ الْجَوَارِحِ ثُمَّ قَادَ «2» مَنْطِقُهُ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِی وَضَعَهُ فَقَالَ لَمْ یَقَعْ شَیْءٌ مِنْ حَوَاسِّی عَلَى خَالِقٍ یُؤَدِّی إِلَى قَلْبِی إِنْکَاراً لِلَّهِ تَعَالَى ثُمَّ قَالَ أَخْبِرْنِی بِمَ تَحْتَجُّ فِی مَعْرِفَةِ رَبِّکَ الَّذِی تَصِفُ قُدْرَتَهُ وَ رُبُوبِیَّتَهُ وَ إِنَّمَا یَعْرِفُ الْقَلْبُ الْأَشْیَاءَ کُلَّهَا بِالدَّلَالاتِ الْخَمْسِ الَّتِی وَصَفْتُ لَکَ قُلْتُ بِالْعَقْلِ الَّذِی فِی قَلْبِی وَ الدَّلِیلِ الَّذِی أَحْتَجُّ بِهِ فِی مَعْرِفَتِهِ قَالَ فَأَنَّى یَکُونُ مَا تَقُولُ وَ أَنْتَ تَعْرِفُ أَنَّ الْقَلْبَ لَا یَعْرِفُ شَیْئاً بِغَیْرِ الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ فَهَلْ عَایَنْتَ رَبَّکَ بِبَصَرٍ أَوْ سَمِعْتَ صَوْتَهُ بِأُذُنٍ أَوْ شَمِمْتَهُ بِنَسِیمٍ أَوْ ذُقْتَهُ بِفَمٍ أَوْ مَسِسْتَهُ بِیَدٍ فَأَدَّى ذَلِکَ الْمَعْرِفَةَ إِلَى قَلْبِکَ قُلْتُ أَ رَأَیْتَ إِذْ أَنْکَرْتَ اللَّهَ وَ جَحَدْتَهُ «3»
(2) قاد الدابّة: مشى أمامها آخذا بقیادها.
(3) و فی نسخة: إذا أنکرت اللّه و جحدته.
بحار الأنوار (ط - بیروت)، ج3، ص: 154
لِأَنَّکَ زَعَمْتَ أَنَّکَ لَا تُحِسُّهُ بِحَوَاسِّکَ الَّتِی تَعْرِفُ بِهَا الْأَشْیَاءَ وَ أَقْرَرْتُ أَنَا بِهِ هَلْ بُدٌّ مِنْ أَنْ یَکُونَ أَحَدُنَا صَادِقاً وَ الْآخَرُ کَاذِباً قَالَ لَا قُلْتُ أَ رَأَیْتَ إِنْ کَانَ الْقَوْلُ قَوْلَکَ فَهَلْ یُخَافُ عَلَیَّ شَیْءٌ مِمَّا أُخَوِّفُکَ بِهِ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ قَالَ لَا قُلْتُ أَ فَرَأَیْتَ إِنْ کَانَ کَمَا أَقُولُ وَ الْحَقُّ فِی یَدِی أَ لَسْتُ قَدْ أَخَذْتُ فِیمَا کُنْتُ أُحَاذِرُ مِنْ عِقَابِ الْخَالِقِ بِالثِّقَةِ وَ أَنَّکَ قَدْ وَقَعْتَ بِجُحُودِکَ وَ إِنْکَارِکَ فِی الْهَلَکَةِ قَالَ بَلَى قُلْتُ فَأَیُّنَا أَوْلَى بِالْحَزْمِ وَ أَقْرَبُ مِنَ النَّجَاةِ قَالَ أَنْتَ إِلَّا أَنَّکَ مِنْ أَمْرِکَ عَلَى ادِّعَاءٍ وَ شُبْهَةٍ وَ أَنَا عَلَى یَقِینٍ وَ ثِقَةٍ لِأَنِّی لَا أَرَى حَوَاسِّیَ الْخَمْسَ أَدْرَکَتْهُ وَ مَا لَمْ تُدْرِکْهُ حَوَاسِّی فَلَیْسَ عِنْدِی بِمَوْجُودٍ قُلْتُ إِنَّهُ لَمَّا عَجَزَتْ حَوَاسُّکَ عَنْ إِدْرَاکِ اللَّهِ أَنْکَرْتَهُ وَ أَنَا لَمَّا عَجَزَتْ حَوَاسِّی عَنْ إِدْرَاکِ اللَّهِ تَعَالَى صَدَّقْتُ بِهِ قَالَ وَ کَیْفَ ذَلِکَ قُلْتُ لِأَنَّ کُلَّ شَیْءٍ جَرَى فِیهِ أَثَرُ تَرْکِیبٍ لَجِسْمٌ أَوْ وَقَعَ عَلَیْهِ بَصَرٌ لَلَوْنٌ فَمَا أَدْرَکَتْهُ الْأَبْصَارُ وَ نَالَتْهُ الْحَوَاسُّ فَهُوَ غَیْرُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لِأَنَّهُ لَا یُشْبِهُ الْخَلْقَ وَ أَنَّ هَذَا الْخَلْقَ یَنْتَقِلُ بِتَغْیِیرٍ وَ زَوَالٍ وَ کُلُّ شَیْءٍ أَشْبَهَ التَّغْیِیرَ وَ الزَّوَالَ فَهُوَ مِثْلُهُ وَ لَیْسَ الْمَخْلُوقُ کَالْخَالِقِ وَ لَا الْمُحْدَثُ کَالْمُحْدِثِ.